ابحث عن شاعر او قصيدة اوقصة

الباب التاسع والثلاثون في الغدر والخيانة والسرقة والعداوة والبغضاء والحسد: وفيه فصول




الفصل الأول
في الغدر والخيانة
قال رسول الله أعجل الاشياء عقوبة البغي وعنأبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله المكر والخديعة والخيانة في النار وقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه ثلاث من كن فيه كن عليه البغي والنكث والمكر قال الله تعالى ( إنما بغيكم على أنفسكم ) وقال تعالى ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) وقال تعالى ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ) وكم أوقع القدر في المهالك من غادر وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر وطوقه غدره وطوق خزي فهو على فكه غير قادر وأوقعه في خطة خسف وورطة حتف فما له من قوة ولاناصر ويشهد لصحة هذه الاسباب ما أحاطت به علوم ذوي الالباب من قصة ثعلبة بن حاطب الانصاري وتلخيص معناها أن ثعلبة هذا كان من
أنصار النبي


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 448 ] 


فجاءه يوما وقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال له رسول الله ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ثم أتاه بعد ذلك مرة أخرى فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله يا ثعلبة أما لك في رسول الله أسوة حسنة والذي نفسي بيده لو أردت ان تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت ثم أتاه بعد ذلك مرة ثالثة فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا والذي بعثك بالحق نبيا لئن رزقني الله مالا لاعطين كل ذي حق حقه وعاهد الله تعالى على ذلك فقال رسول الله اللهم ارزق ثعلبة ما قال فاتخذ ثعلبة غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها وهي تنمو كما ينمو الدود وكان ثعلبة لكثرة ملازمته للمسجد يقال له حمامة المسجد فلما كثرت الغنم وتنحى صار يصلي مع رسول الله والعصر ويصلي بقية الصلوات في غنمه فكثرت ونمت حتى بعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة ثم كثرت ونمت فتباعد أيضا عن المدينة حتى صار لا يشهد جمعة ولا جماعة فكان إذا كان يوم الجمعة خرج يتلقى الناس ويسألهم عن الاخبار فذكره رسول الله ذات يوم فقال مافعل ثعلبة قالوا يا رسول الله اتخذ غنما ما يسعها واد فقال رسول الله يا ويح ثعلبة فأنزل الله تعالى آية الصدقة فبعث رسول الله رجلين رجل من بني سليم ورجل من جهينة وكتب لهما أنصاب الصدقة وكيف يأخذانها وقال لهما مرا بثعلبة بن حاطب وبرجل آخر من بني سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى اتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله فقال ما هذه إلا جزية أو ما هذه إلا اخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما رأياه قالا ما هذا قال خذاه فإن نفسي به طيبة فمرا على الناس وأخذا الصدقات ثم رجعا إلى ثعلبة فقال أروني كتابكما


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 449 ] 


فقرأه ثم قال ما هذه إلا جزية أو ما هذه إلا أخت الجزية إذهبا حتى أرى رأيا قال فذهبا من عنده وأقبلا على رسول الله فلما رآهما قال قبل أن يتكلما يا ويح ثعلبة فأنزل الله تعالى
( ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) ( فلما أتاهم من فضله بخلوا وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ) وكان عند رسول الله رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال ويحك يا ثعلبة قد نزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي فسأله أن يقبل صدقته فقال إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقة فجعل ثعلبة يحثو التراب على رأسه ووجهه فقال رسول الله هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني فلما أبى رسول الله أن يقبل صدقته رجع إلى منزله وقبض رسول الله ولم يقبل منه شيئا ثم أتى إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين استخلف فقال قد علمت منزلتي من رسول الله وموضعي من الانصار فأقبل صدقتي فقال أبو بكر رضي الله عنه لم يقبلها رسول الله منك فلا أقبلها أنا فقبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه ولم يقبلها فلما ولي عمر رضي الله عنه أتاه فقال يا أمير المؤمنين أقبل صدقتي فلم يقبلها منه وقال لم يقبلها رسول الله ولا أبو بكر رضي الله عنه فأنا لا أقبلها وقبض عمر رضي الله عنه ولم يقبلها ثم ولي عثمان ابن عفان رضي الله عنه فسأله أن يقبل صدقته فقال له لم يقبلها رسول الله ولا ابو بكر ولاعمر رضي الله عنهما فأنا لا أقبلها ثم هلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه
فانظر إلى سوء عاقبة غدره كيف أذاقه وبال أمره ووسمه بسمة عار قضت عليه بخسره وأعقبه نفاقا يخزيه يوم فاقته وفقره فأي خزي


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 450 ] 


أرجح من ترك الوفاء بالميثاق واي سوء أقبح من غدر يسوق إلى النفاق وأي عار أفضح من نقض العهد إذا عدت مساوي الاخلاق وكان يقال لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكارم قال الشاعر
( غدرت بأمر كنت أنت جذبتنا ... إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد )
ولما حلف محمد الامين للمأمون في بيت الله الحرام وهما وليا عهد طالبه جعفر بن يحيى أن يقول خذلني الله إن خذلته فقال ذلك ثلاث مرات فقال الفضل بن الربيع قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله يا أبا العباس أجد نفسي أن امري لا يتم فقلت له ولم ذلك أعز الله الأمير قال لأني كنت أحلف وأنا أنوي الغدر وكان كذلك لم يتم أمره
وورد في أخبار العرب أن الضيزن بن معاوية بن قضاعة كان ملكا بين دجلة والفرات وكان له هناك قصر مشيد يعرف بالجوسق وبلغ ملكه الشام فأغار على مدينة سابور ذي الاكتاف فأخذها وأخذ أخت سابور وقتل منهم خلقا كثيرا ثمإن سابور جمع جيوشا وسار إلى ضيزن فأقام على الحصن أربع سنين لا يصل منه إلى شيء ثم أن النضيرة بنت الضيزن عركت أي حاضت فخرجت من الربض وكانت من أجمل أهل دهرها وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن وكانوا سابور من أجمل أهل زمانه فرآها ورأته فعشقها وعشقته وأرسلت إليه تقول ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي فقال أحكمك فقالت عليك بحمامة مطوقة ورقاء فاكتب عليها بحيض جارية ثم أطلقها فإنها تقعد على حائط المدينة فتتداعى المدينة كلها وكان ذلك طلمسا لا يهدمها إلا هو ففعل ذلك فقالت له وأنا اسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم ففعل ذلك فتداعت المدينة وفتحها سابور عنوة وقتل الضيزن واحتمل ابنته النضيرة وأعرس بها فلما دخل بها لم تزل ليلتها تتضرر وتتململ في


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 451 ] 


فراشها وهو من حرير محشو بريش النعام فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هو ورقة آس التصقت بعكنتها وأثرت فيها وقيل كان ينظر إلى مخ عظمها من صفاء بشرتها ثم إن سابور بعد ذلك غدر بها وقتلها قيل إنه أمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه ثم استركضه فقطعها قطعا قطعه الله ماأغدره وتقول العرب جزاني جزاء سنمار وهو ان أزدجرد بن سابور لما خاف على ولده بهرام وكان قبله لا يعيش له ولد سأل عن منزل صحيح مريء فدل على ظهر الجزيرة فدفع ابنه بهرام إلى النعمان وهو عاملة على ارض العرب وأمره أن يبني له جوسقا فامتثل أمره وبنى له جوسقا كأحسن ما يكون وكان الذي بنى الجوسق رجلا يقال له سنمار فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه فقال لو علمت أنكم توفوني أجرته لبنيته بناء يدور مع الشمس حيث دارت فقالوا وإنك لتبني أحسن من هذا ولم تبنه ثم أمر به فطرح من أعلى الجوسق فتقطع فكانت العرب تقول جزاني جزاء سنمار وممن غدر عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله غدر بعلي رضي الله عنه وقتله وعمرو بن جرموز غدر بالزبير بن العوام رضي الله عنه وقتله وأبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة لعنه الله غدر بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقتله وجعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى ثم غدر به وأخره وقدم المهدي عليه فقال عيسى
( اينسى بنو العباس ذبي عنهم ... بسيفي ونار الحرب زاد سعيرها )
( فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذل معاديها وعز نصيرها )
( أقطع أرحاما علي عزيزة ... وأبدي مكيدات لها وأثيرها )
( فلما وضعت الامر في مستقره ... ولاحت له شمس تلألأ نورها )
( دفعت عن الامر الذي استحقه وأوسق اوساقا من الغدر عيرها


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 452 ] 


وخرج قوم لصيد فطردوا ضبعة حتى ألجؤها إلى خباء أعرابي فأجارها وجعل يطعمها ويسقيها فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وهربت فجاء ابن عمه يطلبه فوجده ملقى فتبعها حتى قتلها وأنشد يقول
( ومن يصنع المعروف مع غير أهله ... يلاقي كما لاقى مجير أم عامر )
( اعد لها لما استجارت ببيته ... أحاليب البان اللقاح الدوائر )
( وأسمنها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بانياب لها واظافر )
( فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يجود بمعروف على غير شاكر )
وحكى بعضهم قال دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وإلى جانبها جرو ذئب فقالت أتدري ما هذا فقلت لا قالت هذا جرو ذئب أخذناه صغيرا وأدخلناه بيتنا وربيناه فلما كبر فعل بشاتي ما ترى وأنشدت
( بقرت شويهتي وفجعت قومي ... وأنت لشاتنا ابن ربيب )
( غذيت بدرها ونشأت معها ... فمن أنباك أن اباك ذيب )
( إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا اديب
اللهم إنا نعوذ بك من البغي واهله ومن الغادر وفعله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الفصل الثاني
في السرقة والسراق
قيل مر عمر بن عبيد بجماعة وقوف فقال ما هذا قيل السلطان يقطع سارقا فقال لاإله إلا الله سارق العلانية يقطع سارق السر وأمر الإسكندر بصلب سارق فقال أيها الملك إني فعلت ما فعلت


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 453 ] 


وأنا كاره فقال وتصلب وأنت كاره وسرق مدني قميصا فأعطاه لابنه يبيعه فسرق منه فجاء له فقال بكم بعتة قال برأس المال وقال أكتل السلمي وكان لصا فاتكا
( وإني لأستحي من الله أن أرى ... أجرجر حبلي ليس فيه بعير )
( وأن أسأل المرء الدنيء بعيرة ... وأجمال ربي في البلاد كثير )
قال الفرزدق
( وإن أبا الكرشاء ليس بسارق ... ولكن متى ما يسرق القوم يأكل )
( وكان لعمرو بن دويرة البجلي أخ قد كلف ببنت عم له فتسور عليها الدار ذات ليلة فأخذه أخوتها وأتوا به خالد بن عبد الله القسري وجعلوه سارقا فسأله خالد فصدقهم ليدفع الفضيحة عن الجارية فهم خالد بقطعة فقال عمرو أخوه
( أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العشق المظلوم فينا بسارق )
( أقر بما لم يأته المرء إنه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاشق )
فعفا عنه خالد وزوجه الجارية
الفصل الثالث
فيما جاء في العداوة والبغضاء )
قد ذكر الله عز وجل العداوة والبغضاء في كتابة العزيز فقال العلي تعالى ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) وقال تعالى ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) وقال تعالى ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) وقال تعالى ( إن من أزواجكم


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 454 ] 


وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) وقال رسول الله أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك وقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه العداوة تتوارث وقال زياد بن عبدالله
( فلو اني بليت بهاشمي ... خؤلته بنو عبد المدان )
( صبرت على عداوته ولكن ... تعالوا فانظروا بمن ابتلانى
وبث رجل في وجه أبي عبيدة مكروها فأنشأ يقول
( فلو أن لحمي إذ وهي لعبت به ... سباع كرام أو ضباع وأذؤب )
( لهون وجدي أو لسلي مصيبتي ولكنما ... أودى بلحمي أكلب )
وقيل لكسري أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلا قال عدوي قيل كيف ذلك قال لأنه إذا كان عاقلا كنت منه في عافية وأمن وقيل كونوا من المرء الدغل أخوف من الكاشح المعلن فإن مداواة أهل العلل الظاهرة من مداواة ما خفي وبطن وقالوا إياك أن تعادي من إذا شاء طرح ثيابه ودخل مع الملك في لحافه وقال أبو العتاهية
تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسنا فزده )
( ستلقي من عدوك كل كيد ... إذا كاد العدو ولم تكده )
وكانت جليلة بنت مرة أخت جساس تحت كليب فقتل أخوها زوجها وهي حبلي بهجرس ابن كليب فلما كبر وشب قال
اصاب ابي خالي وماأنا بالذي ... اميل وأمري بين خالي ووالدي )
( واورث جساس بن مرة غصة ... إذا ما اعترتني حرها غير بارد )
ثم قال بعد ذلك
يا للرجال لقلب ماله جلد ... كيف العزاء وثاري عند جساس )


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 455 ] 


ثم حمل على خاله فقتله وقال
ألم ترني ثأرت أبي كليبا ... وقد يرجى المرشح للدخول غسلت العار عن جسم ابن بكر ... بجساس بن مرة ذي البتول بيت
( سن العداوة آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء )
ويقال دار عدوك لأحد أمرين إما لصداقة تؤمنك أو لفرصة تمكنك وكتب سويد إلي مصعب
( فبلغ مصعبا عني رسولي ... وهل تلقى النصيح بكل واد )
( تعلم أن أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الاعادي )
ويقال فلان كثير المراق مر المذاق وقال الحجاج لخارجي والله إني لأبغضك قال أدخل الله الجنة أشدنا بغضا لصاحبه ولما أراد أنو شروان أن يقلد ابنه هرمز ولاية العهد استشار عظماء مملكته فأنكروا عليه وقال بعضهم وان إمة تركية وقد علمت في أخلاقهم ما علمت فقال إن الابناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات وكانت أم قباذ تركية وقد رأيتم من حسن سيرته ما رأيتم فقيل هو قصير وذلك يذهب ببهاء الملك فقال إن قصره من رجليه ولا يكاد يرى إلا جالسا أو راكبا فلا يستبين ذلك فيه فقيل هو بغيض في الناس فقال أواه هلك ابني هرمز فقد قيل إذا كان في الإنسان خير واحد ولم يكن ذلك الخير المحبة الى الناس فلا خير فيه واذا كان فيه عيب واحد ولم يكن ذلك العيب البغض في الناس فلا عيب فيه
( ولست براء عيب ذي الود كله ... ولا بغض ما فيه إذا كنت راضيا )
( فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
وفي المعنى قيل
( وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا )


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 456 ] 


وعن أبي حيان قال لقمان نقلت الصخور وحملت الحديد فلم أر شيئا أثقل من الدين وأكلت الطيبات وعانقت الحسان فلم أر شيئا ألذ من العافيه وأنا اقول لو نزحوا البحار وكنسوا القفار لوجدوها أهون من شماتة الأعداء خصوصا إذا كانوا مساهمين في نسب أو مجاورين في بلد اللهم إنا نعوذ بك من تتابع الإثم وسوء الفهم وشماتة ابن العم وقيل لأيوب عليه السلام أي شيء كان عليك في بلائك اشد قال شماتة الأعداء وأنشد الجاحظ
( تقول العاذلات تسل عنها ... وداو عليل قلبك بالسلو )
( وكيف ونظرة منها اختلاسا ... ألذ من الشماتة بالعدو )
وقال ابن أبي جهينة المهلبي
( كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الاعداء )
وقال الجاحظ ما رأيت سنانا أنفذ من شماتة الاعداء وقيل لما قبض رسول الله سمع بموته نساء من كندة وحضرموت فخضبن أيديهن وضربن بالدفوف فقال رجل منهم
( أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا من بني مرام )
( أظهرن في موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهن بالغلام )
( فاقطع هديت أكفهن بصارم ... كالبرق او مض في متون غمام
فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المهاجر عاملة فاخذهن وقطع أيديهن ويقال فلان يتربص بك الدوائر ويتمنى لك الغوائل ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك ولا رفعة إلا في سقوط حالك وقال حكيم لا تأمن عدوك وإن كان ضعيفا فإن القناة قد تقتل وإن عدمت السنان قال الشاعر


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 457 ] 


( فلا تأمن عدوك لو تراه ... أقل إذا نظرت من القراد )
( فإن الحرب ينشأ من جبان ... وإن النار تضرم من رماد
بيت مفرد
فمن لم يكن منكم مسيئا فإنه ... يشد على كف المسيء فيجلب )
وقال عبد الله بن سليمان بن وهب
كفاية الله خير من توقينا ... وعادة الله في الماضين تكفينا )
( كاد الاعادي فلا والله ما تركوا ... قولا وفعلا وتلقينا وتهجينا )
( ولم نزد نحن في سر وفي علن ... على مقالتنا يا ربنا اكفينا )
( فكان ذاك ورد الله حاسدنا ... بغيظة لم ينل تقديره فينا )
الفصل الرابع
في الحسد
قال الله تعالى ( أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله وقال رسول الله استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود وقال علي رضي الله عنه الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له وقيل الحسود غضبان على القدر ويقال ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش الحقد والحسد وسوء الخلق وقيل بئس الشعار الحسد وقيل لبعضهم ما بال فلان يبغضك قال لأنه شقيقي في النسب وجاري في البلد وشريكي في الصناعة فذكر جميع دواعي الحسد وقال أعرابي الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود وهو مأخوذ من الحديث قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله وقال الفقيه أبو الليث السمرقندي رحمة الله تعالى عليه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 458 ] 


أولاها غم لا ينقطع الثانية مصيبة لا يؤجر عليها الثالثة مذمة لا يحمد عليها الرابعة سخط الرب الخامسة يغلق عنه باب التوفيق
ومن ذلك ما حكي أن رجلا من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمة وصار يدخل على حريمه من غير استئذان وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده وقال في نفسه إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به الى منزله فطبخ له طعاما وأكثر فيه من الثوم فلما أكل البدوي منه قال له احذر أن تقترب من امير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك فإنه يكره رائحته ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به وقال يا أمير المؤمنين إن البدوي يقول عنك للناس إن امير المؤمنين أبخر وهلكت من رائحة فمه فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة ان يشم منه رائحة الثوم فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح فكتب أمير المؤمنين كتابا إلى بعض عماله يقول فيه إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب وقال له امض به إلى فلان وائتني بالجواب فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال أين تريد قال اتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان فقال الوزير في نفسه إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل فقال له يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار فقال أنت الكبير وأنت الحاكم ومهما رأيته من الرأي أفعل قال أعطني الكتاب فدفعه إليه فأعطاه الوزير ألفي دينار وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير فأخبر بأن له أياما ما ظهر وأن البدوي بالمدينة مقيم فتعجب من ذلك وأمر بإحضار البدوي في فحضر فسأله عن حاله فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها فقال له أنت قلت عني للناس


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 459 ] 


إني أبخر فقال معاذ الله يا أمير المؤمنين أن اتحدث بما ليس لي به علم وإنما كان ذلك مكرا منه وحسدا وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه فقال أمير المؤمنين قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله ثم خلع على البدوي واتخذه وزيرا وراح الوزير بحسده وقال المغيرة شاعر آل المهلب
( آل المهلب قوم إن مدحتهم ... كانوا الاكارم آباء واجدادا )
( إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا )
وقال عمر رضي الله عنه يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك وقال مالك بن دينار شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض فإنهم أشد تحاسدا من التيوس وعن انس رضي الله تعالى عنه رفعه إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وقال منصور الفقيه
( منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همته دليل )
( ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل )
يقول الله عز وجل الحاسد عدو نعمتي متسخط لفعلي غير راض بقسمي التي قسمت لعبادي قال الشاعر
( أبا حاسدا لي على نعمتي ... أتدري على من أسات الادب )
( أسأت على الله في حكمه ... لأنك لم ترض لي ما وهب )
( فأخزاك ربي بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب )
وقال الاصمعي رأيت أعرابيا قد بلغ عمره مائة وعشرين سنة فقلت له ما أطول عمرك فقال تركت الحسد فبقيت وقالوا لا يخلوا السيد من ودود يمدح وحسود يقدح وقال ابن مسعود رضي الله


-------------------------------------

 المستطرف    [ جزء 1 - صفحة 460 ] 


عنه إلا لا تعادوا نعم الله قيل ومن يعادي نعم الله قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وقيل لعبد الله بن عروة لم لزمت البدو وتركت قومك فقال وهل بقي إلا حاسد على نعمتي أو شامت على نكبة وقال الشاعر
( يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغدا بلا قتر صفوا بلا رنق )
( خلص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغل في العنق )
وقال آخر
( اصبر على حسد الحسود ... د فإن صبرك قاتله )
( كالنار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله )
وفي نوابغ الحكم الحسد حسك من تعلق به هلك ولبعضهم
( إني حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوما غير محسود )
وقال نصار بن سيار
( إني نشأت وحسادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لاتنقص لهم عددا )
( إن يحسدوني على ما بي لما بهم ... فمثل ما بي مما يجلب الحسدا )
وكان عمر رضي الله عنه يقول نعوذ بالله من كل قدر وافق إرادة حاسد وقيل لأرسطاطاليس ما بال الحسود أشد غما قال لأنه أخذ بنصيبه من غموم الدنيا ويضاف إلى ذلك غمه لسرور الناس والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم


-------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق