ابحث عن شاعر او قصيدة اوقصة

حكاية صيد السباع



من الحكايات ما يكون وراء مثل متداول أو ما هو مفسر لظاهرة من الظواهر الغريبة. ومن ذلك الحكاية التي يرويها عامة الناس في نجد وهي أنّ الأسد والذئب والثعلب فقد خرجوا يومًا للصيد معًا فصاد الذئب حمارًا وصاد الأسد غزالاً وصاد الثعلب أرنبًا، وجاء وقت الغداء فإذا الأسد يلتفت على الذئب ويقول له اقسم بيننا فقال الذئب القسمة واضحة وسهلة الحمار لك والغزال لي والأرنب للثعلب، فصفعه الأسد فإذا هو ملقى على الأرض دون حراك، ثم التفت على الثعلب وقال له: اقسم بيننا، فقال له الثعلب: القسمة واضحة وسهلة، الحمار لغدائك والغزال لعشائك والأرنب ما بين ذلك. فقال له الأسد: من علمك هذا القسْم المنسمح. فرد الثعلب: هذا الذيب المنسدح. وجاءت

هذه الحكاية في كتاب (المستطرف) وغيره على اختلاف في الروايات؛ ولكنها في مجملها تؤكد كونها أصلا للحكاية الشعبية التي ذكرتها. ومن أقرب الروايات ما جاء في(كتاب الأذكياء) قال ابن الجوزي: "قال: حدثنا المعافي بن زكريا قال: زعموا أن أسدًا وثعلبًا وذئبًا اصطحبوا، فخرجوا يتصيدون فصادوا حمارًا وظبيًا وأرنبًا، فقال الأسد للذئب: اقسم بيننا صيدنا، قال: الأمر أبين من ذلك الحمار لك، والأرنب لأبي معاوية يعني الثعلب، والظبي لي. فخبطه الأسد فاندر رأسه. ثم أقبل على الثعلب، وقال: قاتله الله ما أجهله بالقسمة! ثم قال: هات أنت. قال الثعلب: يا أبا الحارث، الأمر أوضح من ذلك. الحمار لغدائك، والظبي لعشائك، وتخلّل بالأرنب فيما بين ذلك. قال  الأسد: ويحك ما أقضاك! من علمك هذه القضية. قال: رأس الذئب النادر بين عيني". والحكايتان الشعبية وأصلها المكتوب تعبران عن اتجاه شعبي في التعبير الكنائي عن أمور ليس يسهل التصريح بشأنها وهي ما يتصل بظلم الحكام ذوي القوة الغاشمة المستبدة وأن من يتخذ سبيل الحكمة ويطلب العافية يسلم وإن فاته من أمور دنياه ما فاته. ونلاحظ العلاقة بين النصين على مستوى التركيب اللغوي حيث يشتركان بالتركيب (فيما بين ذلك) ولكن النص الشعبي ناله حظ من المحسنات البديعية ظهرت في السجعة التي ختمت بها القصة فزادتها قوة وتأثيرًا (من علمك هذا القسم المنسمح، قال: هذا الذيب المنسدح)، ونلاحظ أن الغرض البديعي أثر في الشكل التصريفي حيث حوّل (السمح) إلى (المنسمح) وليس هذا الشكل التصريفي بمستعمل عندهم لكنه مقبول في هذا الموضع لملاءمته للمنسدح بنية وصوتًا.