ابحث عن شاعر او قصيدة اوقصة

ثواب المرض والسقم والبلاء

اعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق المرض والسقم ، وهو من الابتلاء الذي يكون فيه تكفيراً للسيئات ومحو الخطايا والذنوب بإذن الله تعالى ، وهذا خاص بالعبد المسلم ، وهو من رحمة الله بعباده المؤمنين .
فعن أبي موسى t قال: قال رسول الله e "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" .
رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2996).
وعن أبي بكر بن عياش ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله e : "إذا اشتكى العبدُ المسلمُ قال الله تعالى للذين يكتبون : اكتبوا له أفضل ما كان يعملُ إذا كان طلقاً حتى أطلقه" . "الصحيحة"رقم(1232) .
وعن أنس بن مالك t قال : قال رسول الله e : "إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال : الله عز وجل للملك : " اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه" .  صحيح الجامع برقم (258) .
وعن عبد الله بن عمرو t ، عن النبي e قال : " ما من أحدٍ من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه قال : اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي" .

صحيح الجامع برقم (5761) .
وفي رواية قال رسول الله e  : "إن العبد إذا كان على طريقةٍ حسنةٍ من العبادة ثم على مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً حتى أُطلقه أو أُكفته إلي" . رواه أحمد في المسند(2/203)،والحاكم بنحوه،وقال:صحيح على شرط البخاري ومسلم.
أكفته : أضمه إلي و أقبضه .
وفي الحديث القدسي ، عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : قال الله تعالى :"إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من إساري ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه ثم يستأنف العمل" .
 رواه الحاكم وقال : "صحيح على شرط البخاري ومسلم" ،المستدرك (1/348-349) وقال الذهبي : على شرطهما وفيه : "ولم يشكني بدل فلم يشكي". "السلسلة الصحيحة" (272) . 
عواده : قال الفراء : يقال هؤلاء عَودُ فلان و عُوَّادُه مثل زَوْرِه وزُوَّاره ، وهم الذين يَعُودُونه إِذا اعْتَلَّ. وفـي حديث فاطمة بنت قـيس : فإِنها امرأَة يكثُرُ عُوَّادُها أَي زُوَّارُها. وكل من أَتاك مرة بعد أُخرى ، فهو عائد ، وإِن اشتهر ذلك فـي عيادة الـمريض حتـى صار كأَنه مختصٌّ به . اهـ . لسان العرب (3/ 319) .
عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي e قال : " إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله من الذنوب كما يخلص الكير من خبث الحديد"  .                   أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (497) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم (1257) ، و "صحيح الجامع" رقم (341) .
وعن أبي هريرة t قال : سمعت رسول الله e يقول : "وصب المؤمن كفارة لخطاياه". صحيح الجامع (6986).
عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة رضي الله عنهما ، أنهما سمعا رسول اللهe  يقول : "ما يصيب المؤمن من وصب ، ولا نصب ، ولا سقم ، ولا حُزن حتى الهم يهمه ؛ إلا كفّر به من سيئاته" . أخرجه مسلم (8/16) .
الوَصَب : دَوَام الوَجَع وَلُزومه . النهاية في غريب الحديث .(5/189).
والنصب : هو التعب .
عن جبير بن مطعم وأبي هريرة ، عن رسول الله e قال : "إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب" .
"صحيح الجامع" حديث رقم (1870) .‌
والسقم : هو المرض .
قال المناوي رحمه الله تعالى : إن اللّه تعالى يبتلي : أي يختبر ويمتحن عبده المؤمن القوي على احتمال ذلك . بالسقم بضم فسكون : أي المرض حتى يكفر عنه كل ذنب ، فيجب على العبد أن يشكر اللّه على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة ، لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخر دائمة ، ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى ، قال القرطبي : والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك . اهـ . فيض القدير .
وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : سمعت رسول اللهe بأذني هاتين يقول : "من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة فقال: "الله ربي لا شريك له" ؛ كشف ذلك عنه" . "السلسلة الصحيحة" (6/592) .
وعن أبي أمامة t ، عن النبي e قال: "ما من عبد يصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهراً" .  صحيح الجامع (5/6519).
وعن أبي مالك الأشعري t قال: قال رسول الله e "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو  عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"  .
رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (223) . 
وعن أبي سعيد الخدري e ، أن رسول الله e قال : "ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر" .
 رواه البخاري برقم (1400)، ومسلم برقم (1053) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله ، وأن الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود ، وقال القرطبي: معنى قوله من يستعف: أي يمتنع عن السؤال .
وقوله يعفه الله : أي انه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته .
وقوله ومن يستغن أي بالله عمن سواه .
وقوله يغنه: أي فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى، فإن الغنى غنى النفس .
وقوله ومن يتصبر : أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق .
وقوله يصبره الله : أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة ، فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه . ا هـ .  فتح الباري (11/304) .
وعن صهيب الرومي e قال: قال رسول الله e :"عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" .                
 رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2999).
وعن أبي هريرةt  قال : قال رسول الله e " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه بلاءٌ ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد" . رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2809).
تفيئه : بضم الفوقية وفتح الفاء وتشديد التحتية ، أي تحركه وتميله يمينا وشمالا. تحفة الأحوذي (8/ 134) .
تستحصد : أي: لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه
وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e:" من يرد الله به خيراً يصب منه". رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5645)
يصب منه : أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء .
من يرد اللّه به خيراً : أي جميع الخيرات أو خيراً غزيراً  .
يصب منه : بكسر الصاد عند الأكثر ، والفاعل اللّه ، وروي بفتحها واستحسنه ابن الجوزي ورجحه الطيبي بأنه أليق بالأدب لآية ]وإذا مرضت فهو يشفين [ ، والضمير في قوله منه على التقديرين للخير قال الزمخشري :  أي ينل منه بالمصائب ويبتليه بها ليثيبه عليها ، وقال القاضي : أي يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته ، وهي اسم لكل مكروه ، وذلك لأن الابتلاء بالمصائب طب إلهي يداوي به الإنسان من أمراض الذنوب المهلكة  ،  ويصح عود الضمير في يصب إلى من وفي منه إلى اللّه وإلى الخير ، والمعنى أن الخير لا يحصل للإنسان إلا بإرادته تعالى وعليه فلا شاهد فيه وإنما تركه لوضوحه لأن الخير الذي هو مراد لمن يحصل له مختار مرضي به إذا كان بإرادة من الغير لا من نفسه فلأن يكون ما يحصل بغير إرادة ورضاً أولى . اهـ . فيض القدير .
قال ابن حجر : وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن ، لأن الآدمي لا ينفك غالبا من ألم بسبب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر ، وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أو قلبية تكفر ذنوب من تقع له . فتح الباري (10/108) .
وعن أبي بكر الصديق t أنه قال : يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية )ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به( الآية، وكل شيء عملناه جزينا به فقال: "غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تصيبك اللأواء " قال قلت: بلى قال: "هو ما تجزون به" . رواه ابن حبان
ورواه الحاكم وفيه: "قال غفر الله لك يا أبا بكر قاله ثلاثاً، يا أبا بكر ألست تمرض ألست تحزن ألست تنصب ألست تصيبك اللأواء؟" .    
  رواه الحاكم في المستدرك (3/74) وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وقال الذهبي في التلخيص : "صحيح".
اللأواء : هي شدة الضيق .
عن عائشة t ، عن رسول الله e قال : "إن المؤمنين يشدد عليهم لأنه لا تصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها و لا وجع إلا رفع الله له بها درجة و حط عنه خطيئة"  . ‌
صحيح الجامع حديث رقم (1935) .‌
وعن أسد بن كرز t ، أنه سمع النبي e يقول : "المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر" . رواه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن، قال الهيثمي في المجمع (2/301): "رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناده حسن". وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع برقم (5928) .
وعن أم العلاء  ، وهي عمة حكيم بن حزام ، وكانت من المبايعات رضي الله عنها ، قالت : عادني رسول الله e وأنا مريضة ، فقال : "يا أم العلاء أبشري ، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه ، كما تذهب النار خبث الحديد والفضة" . صحيح الجامع برقم (37) .
وفي رواية : الذهب بدلا من الحديد .
قال في عون المعبود :
عادني : من العيادة .
يذهب الله به : أي بسبب المرض .
خطاياه : أي المسلم .
خبث الذهب والفضة : قال ابن الأثير في النهاية : الخبث بفتحتين ، هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا . انتهى .
‌وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنهما ، أنه سمع رسول الله e يقول : "لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله عنه بها خطيئته" . رواه أحمد والبزار، قال في مجمع الزوائد (2/301) : "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح".
ورواه ابن حبان إلا أنه قال : "إلا حط الله بذلك خطاياه كما تنحط الورقة عن الشجرة".
وعن ابن مسعود t ، أن رسول الله e قال: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها " . رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5660) ، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب برقم (6511).
وعن كعب بن مالك t قال : قال رسول الله e : "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج" .
وفي رواية : "حتى تأتيه أجله" ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على أصلها لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة" .          
رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2810) .
الأرزة : شجرة الصنوبر ، وقيل الذكر خاصة .
المجذية : الثابتة المنتصبة .
الإنجعاف : الإنقلاع، قال أبو عبيد: "والمعنى فيما نرى أنه شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه مرزأ في نفسه وأهله وماله وولده، وأما الكافر فمثل الأرزة التي لا تميلها الريح، والكافر لا يرزأ شيئا حتى يموت فإن رزئ لا يؤجر عليه، فشبه موته بإنجعاف تلك حتى يلقى الله بذنوبه جمة. أ.هـ .
"غريب الحديث" للقاسم بن سلام (1/117 و 118).
وقال رسول الله e : "إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم" . رواه البخاري في بدء الخلق برقم (3261).
وعن جابر t قال : قال رسول الله e : "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرُضت في الدنيا بالمقاريض" . صحيح الجامع رقم (8177) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لقول الله عزوجل:] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[ . الزمر الآية (10) .
وهذا عام في جميع أنواع الصبر ، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها ، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها ، والصبر على طاعته حتى يؤديها ، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب ، أي بغير حدّ ولا عدّ ولا مقدار ، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند الله ، وأنه معين على كل الأمور . اهـ . تيسير الكريم الرحمن "تفسير سورة الزمر" آية (10) .  
ودخل رسول الله e على أم السائب أو أم المسيب فقال : "مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين" قالت : الحمى لا بارك الله فيها فقال : "لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" . رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6515).

تزفزفين : ترعدين

وعن أنس t ، أن رسول الله e قال : "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" . السلسلة الصحيحة برقم (146) ، وصحيح الجامع رقم (2110).
وعن أبي هريرة t نه قال : قال رسول الله e : "إن الرجل ليكون له عند الله المنـزلة فما يبلغها بعمل ، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ".
صحيح الجامع رقم (1625).
إن أعظم الجزاء : أي كثرته مع عظم البلاء ، بكسر المهملة وفتح الظاء فيهما ويجوز ضمها مع سكون الظاء ، فمن بلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم ، وإن اللّه تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم أي اختبرهم بالمحن والرزايا وهو أعلم بحالهم ، قال لقمان لابنه يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء  فمن رضي قضاء بما ابتلى به فله الرضى من اللّه تعالى وجزيل الثواب ومن سخط  أي كره قضاء ربه ولم يرضه  فله السخط منه تعالى وأليم العذاب
]ومن يعمل سوءاً يجز به[ ، وقوله ومن رضي فله الرضى شرط وجزاءاً فهم منه أن رضى اللّه تعالى مسبوق برضى العبد ومحال أن يرضى العبد عن اللّه إلا بعد رضى اللّه عنه كما قال : ]رضي اللّه عنهم ورضوا عنه[ ، ومحال أن يحصل رضى اللّه ولا يحصل رضى العبد في الآخرة فعن اللّه الرضى أزلاً وأبداً ، وفيه جنوح إلى كراهة اختيار الصحة على البلاء والعافية على السقم ولا ينافيه ما مر ويجيء من الأمر بسؤال العافية وأنها أفضل الدعاء لأنه إنما كرهه لأجل الجرائم واقتراف العظائم كيلا يلقوا ربهم غير مطهرين من دنس الذنوب ، فالأصلح لمن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف والتطهير بقدر التمحيص والأجر بقدر الصبر ذكره ابن جرير. 
والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه. اهـ.فيض القدير . 
 وعن عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ، فقلت : بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي e ، فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي ، قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك " ، فقالت : أصبر فقالت : إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا لها" .
رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5652) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2576).
أتكشف : من التكشف ، والمراد أنها خشيت ، تظهر عورتها وهي لا تشعر .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفي الحديث فضل من يصرع ، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة ، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة ، وفيه دليل على جواز ترك التداوي ، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية ، ولكن إنما ينجع بأمرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل والله أعلم . اهـ . فتح الباري (10/115) .
وعن أبي سعيد وأبي هريرة t قال : "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" . رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5641 و 2642) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2573).
ورواية مسلم : "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفَّرَ به من سيئاته" .
النصب : التعب .
الوصب : المرض .

وكفَّرَ : أي سترها ومحاها .

وعن محمود بن لبيدة ، أن رسول الله e قال: "إذا أحبَّ الله قوماً ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع" . صحيح الجامع رقم (282).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله e : "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عنه بها حتى الشوكة يشاكها" .
رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5640) ، ومسلم في كتاب البر والصلة (6514) .
وفي رواية لمسلم : "لا تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا نقص الله بها من خطيئته" .
وفي رواية أخرى له : "إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة"   في كتاب البر والصلة برقم (6508).
وفي رواية : دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها ، وهي بمنى وهم يضحكون ، فقالت : ما يضحككم قالوا: فلان خرّ على طنب فسطاط وكادت عنقه أو عينه تذهب ، فقالت : لا تضحكوا فإني سمعت رسول الله e يقول : " ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب الله له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" . رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6506) .
والطُّنُب : أحدُ أطْناب الخَيمة , فاستعاره للطَّرف والنَّاحِية 0 هـ .
النهاية في غريب الحديث (3/140) .
والفسطاط : هو الخيمة .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين، فانه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شئ من هذه الأمور ، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها ، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات ، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء . اهـ . شرح النووي (16/128) .
وعن معاوية t قال : سمعت رسول الله e يقول : "ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به من سيئاته"  . صحيح الجامع رقم (5600).
وعن أبي هريرة t قال : سمعت رسول الله e يقول : "وصب المؤمن كفارة لخطاياه" . صحيح الجامع (6986) .
وعن أبي هريرة t قال : لما نزلت )من يعمل سوءً يجزَ به( النساء (123) . بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً فقال رسول الله e : "قاربوا وسدووا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها".
رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6514).
(قاربوا) : أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا.
(سددوا) : أي  اقصدوا السداد وهو الصواب.
النَّكْبَة : وهي ما يصيب الإنسان من الحوادث.النهاية في غريب الحديث  (5/112) .
وعن ابن مسعود t  قال : دخلت على النبي e فمسسته فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً فقال : "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قلت : ذلك بأن لكم أجرين قال : "نعم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فيما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".               
رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5648) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2571).
 وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، أن رسول الله e قال : "إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كحديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها" . السلسلة الصحيحة (1714).
 الوعْك : وهو الحُمَّى وقيل ألَمُها وقد وَعَكَه المرضُ وعَكاً وَوُعِك فهو مَوْعوك . النهاية في غريب الحديث (5/206) .
وعن شهر بن حوشب ، عن أبي ريحانة t قال : قال رسول الله e  " الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار".  صحيح الجامع رقم (3/3188).
 "فيح جهنم " الفيح : سطوع الحر وفورانه . ويقْال لاواو ، وفاحت القدر تفيح وتفوح إذا غلت . وقد أخرجه مخرج التشبيه والتمثيل أي كأنه نار جهنم في حرها. النهاية في غريب الحديث (3/484) .
‏الحمى كير من جهنم ، أي حقيقة أرسلت منها إلى الدنيا نذيراً للجاحدين وبشيراً للمقربين أنها كفارة لذنوبهم أو حرها شبيه بحر كير جهنم  ، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار ، أي نصيبه من الحتم المقضي في قوله سبحانه  ]وإن منكم إلا واردها[ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق