كان
الذئب وما زال حربًا على الرعاة والمسافرين في الصحراء ولذلك كثرت الأخبار التي
تنقل مغامرات الناس في مواجهة هذا السبع، وسوف أذكر منها ما أتذكره من سماعي على
قلته. يحكى أن أحد أبناء بلدنا (المذنب) كان راجعًا من إحدى الضواحي النائية يقود
بقرة وعجلاً فإذا بالذئب يمشي إلى جواره بكل هدوء. أدرك الرجل أن الذئب يطمع
بالعجل فأطلقه له رجاء أن يسلم من أذاه، واستمر الرجل في طريقه جازمًا أن الذئب
سيتخلف ليأكل العجل، ولكنه لاحظ أن شيئًا من ذلك لم يحدث بل ظل الذئب يماشيه كما
كان يفعل. قال الرجل في نفسه: الذئب لن يكتفي بالعجل بل يريد البقرة. لا حول ولا
قوة إلا بالله. فأطلق البقرة واستمر في طريقه يريد النجاء بنفسه ولكن
الذئب استمر معه يماشيه يسرع إن أسرع ويبطئ إن أبطأ. جزم الرجل أن الذئب يريده هو وأن قضاء الله لا مردّ له ودخله الهلع والخوف ولم يدر ما يفعل فأهوى على الأرض وجعل رأسه بين يديه ينتظر قضاء الله فيه. اقترب الذئب منه وبدأ يحثو على الرجل من التراب والرجل جامد لا يقوى على الحركة، ومضت فترة كأنها قرون متتابعة على الرجل المرعوب، ثم إن الذئب انصرف مسرعًان والرجل لا يصدق ما حصل، نهض وعاد إلى حيث بقرته وعجله وقادهما إلى بيته وهو لا يصدق ما حصل. كان أهل شيحة (إحدى ضواحي المذنب) قد حفروا غبية[i] لتسقط فيها الأرانب البرية التي تتردد على زرعهم وتفسده، وكانوا كل صباح ينظرون فيها ليأخذوا ما سقط من الأرانب، وفي يوم من الأيام نظروا فإذا بذئب قد تدهور فيها، وكان الذئب منتفخ البطن فجزم الصبيان أنه قد مات من سقطته؛ ولذلك تورم بطنه وانتفخ شأن الحيوانات التي تموت لحتفها. سحب الناس الذئب ليبعدوه عن المنازل اتقاء لرائحته وعادوا وحين التفت أحدهم رأى الذئب يفر نحو الصحراء. وحكى أحدهم أنه كان مسافرًا على قدميه ولم يستطع أن يبلغ مأمنه قبل المساء ولما مضى جزء من الليل بدأ بسماع صوت الذئاب فأدرك أنه لابد من الاختباء عنها حتى يظهر النهار فبحث عن مأوى فوجد دحلاً[ii] في إحدى القور[iii] فدخله وأقفل بابه بأشجار من العوسج. أما الذئاب فقد شمت رائحته وتبعته إلى مكانه دارت حوله وحاولت الدخول من باب الدحل لكن الأشواك ردعتها، ولكنها لم تيأس فبدأت تحفر الغار من الأعلى وتمكن الذئب بعد فترة من اختراق السطح وأقحم يده يريد الرجل، ولكن الرجل كان حاضر الذهن شجاع القلب إذ أهوى على يد الذئب بسكينه فشكه بها. حاول الذئب انتزاع يده من الفتحة لكنه عجز فالسكين تعترضه وتؤلمه وراح يجرجر يده دون جدوى، أما الذئاب الأخرى فقد زادت حركتها واضطرابها فوق سطح القارة وبعد فترة سقطت يد الذئب على الأرض. لقد شمت الذئاب دماء صاحبها وأدركت عجزه عن الفرار فتكالبت عليه ونهشته بلا رحمة. لم يعد الرجل يسمع للذئاب صوتًا ولزم مكانه حتى أشرقت الشمس وخرج بهدوء ونظر إلى أعلى القارة فلم يجد من الذئب إلا عظامه. حمد الله وتابع طريقه. ويحكى أن رجلاً سافر ماشيًا من الأحساء إلى الرياض وقد قيل له إن عليه أن يجتاج مكانًا من الأماكن في النهار لأنه مذأبة[iv] لا يسلم صاحبه فعمل بنصيحتهم وتجاوز المكان أول النهار وكان قد بدأ مسيرته من الأحساء بليل فلما كان قبيل الظهر كان قد أدركه الكلال فسقط على الأرض وراح في سبات عميق، وما شعر بنفسه إلا بقطرات من الرذاذ تتساقط على وجهه ففتح عينيه وإذا ذئب قد فحج عليه ويتشممه، قال الرجل: فصرخت صرخة أودعتها كل قوة ملكتها تلك الساعة ولا أدري كيف صرخت، غير أن الذئب جفل من شدة صرختي وجرى لا يلوي على شيء وسلحه من ورائه كطلقات المدافع، وحمدت الله على نجاتي منه وتابعت طريقي.
الذئب استمر معه يماشيه يسرع إن أسرع ويبطئ إن أبطأ. جزم الرجل أن الذئب يريده هو وأن قضاء الله لا مردّ له ودخله الهلع والخوف ولم يدر ما يفعل فأهوى على الأرض وجعل رأسه بين يديه ينتظر قضاء الله فيه. اقترب الذئب منه وبدأ يحثو على الرجل من التراب والرجل جامد لا يقوى على الحركة، ومضت فترة كأنها قرون متتابعة على الرجل المرعوب، ثم إن الذئب انصرف مسرعًان والرجل لا يصدق ما حصل، نهض وعاد إلى حيث بقرته وعجله وقادهما إلى بيته وهو لا يصدق ما حصل. كان أهل شيحة (إحدى ضواحي المذنب) قد حفروا غبية[i] لتسقط فيها الأرانب البرية التي تتردد على زرعهم وتفسده، وكانوا كل صباح ينظرون فيها ليأخذوا ما سقط من الأرانب، وفي يوم من الأيام نظروا فإذا بذئب قد تدهور فيها، وكان الذئب منتفخ البطن فجزم الصبيان أنه قد مات من سقطته؛ ولذلك تورم بطنه وانتفخ شأن الحيوانات التي تموت لحتفها. سحب الناس الذئب ليبعدوه عن المنازل اتقاء لرائحته وعادوا وحين التفت أحدهم رأى الذئب يفر نحو الصحراء. وحكى أحدهم أنه كان مسافرًا على قدميه ولم يستطع أن يبلغ مأمنه قبل المساء ولما مضى جزء من الليل بدأ بسماع صوت الذئاب فأدرك أنه لابد من الاختباء عنها حتى يظهر النهار فبحث عن مأوى فوجد دحلاً[ii] في إحدى القور[iii] فدخله وأقفل بابه بأشجار من العوسج. أما الذئاب فقد شمت رائحته وتبعته إلى مكانه دارت حوله وحاولت الدخول من باب الدحل لكن الأشواك ردعتها، ولكنها لم تيأس فبدأت تحفر الغار من الأعلى وتمكن الذئب بعد فترة من اختراق السطح وأقحم يده يريد الرجل، ولكن الرجل كان حاضر الذهن شجاع القلب إذ أهوى على يد الذئب بسكينه فشكه بها. حاول الذئب انتزاع يده من الفتحة لكنه عجز فالسكين تعترضه وتؤلمه وراح يجرجر يده دون جدوى، أما الذئاب الأخرى فقد زادت حركتها واضطرابها فوق سطح القارة وبعد فترة سقطت يد الذئب على الأرض. لقد شمت الذئاب دماء صاحبها وأدركت عجزه عن الفرار فتكالبت عليه ونهشته بلا رحمة. لم يعد الرجل يسمع للذئاب صوتًا ولزم مكانه حتى أشرقت الشمس وخرج بهدوء ونظر إلى أعلى القارة فلم يجد من الذئب إلا عظامه. حمد الله وتابع طريقه. ويحكى أن رجلاً سافر ماشيًا من الأحساء إلى الرياض وقد قيل له إن عليه أن يجتاج مكانًا من الأماكن في النهار لأنه مذأبة[iv] لا يسلم صاحبه فعمل بنصيحتهم وتجاوز المكان أول النهار وكان قد بدأ مسيرته من الأحساء بليل فلما كان قبيل الظهر كان قد أدركه الكلال فسقط على الأرض وراح في سبات عميق، وما شعر بنفسه إلا بقطرات من الرذاذ تتساقط على وجهه ففتح عينيه وإذا ذئب قد فحج عليه ويتشممه، قال الرجل: فصرخت صرخة أودعتها كل قوة ملكتها تلك الساعة ولا أدري كيف صرخت، غير أن الذئب جفل من شدة صرختي وجرى لا يلوي على شيء وسلحه من ورائه كطلقات المدافع، وحمدت الله على نجاتي منه وتابعت طريقي.
[i] الغبية حفرة عميقة في الأرض تغطى بالقش حتى لا تراها الأرانب
فتتحاماها، ولذلك يسير على القش فينهار بها وتتدهور في الحفرة. وهو استعمال له
أصله القديم، جاء في (لسان العرب): "غَبَّيت البئرَ إذا غَطَّيت رَأْسها ثم
جَلعت فوقَها تُراباً؛ قال أَبو سعيد: وذلك".
[ii] الدحل فراغ مائل داخل الأرض، جاء في (معجم العين):
"الدَّحْل: مَدْخلٌ تحتَ الجُرْف أو في عُرْض جَنْب البئر في أسفلِها، أو
نحوه من المناهِل والموارد".
[iii] جمع قارة أي أكمة وهي مرتفع من الأرض دون التل.
[iv] أي كثيرة الذئاب.