لا تسمعيها إن أصواتنا
|
تخزى بها الريح التي تنقل
|
باب علينا من دم مقفل
|
و نحن في ظلمائنا نسأل
|
من مات ؟ من يبكيه ؟ من يقتل
|
من يصلب الخبز الذي نأكل
|
نخشى إذا واريت أمواتنا
|
أن يفزع الأحياء ما يبصرون
|
إذ يقفر الكهف الذي يأهلون
|
إن عربد الوحش الذي يطعمون
|
من أكبد الموتى فمن يبذل
|
يا أختنا المشبوحة الباكية
|
أطرافك الدامية
|
يقطرن في قلبي و يبكين فيه
|
يا من حملت الموت عن رافعيه
|
من ظلمة الطين التي تحتويه
|
إلى سماوات الدم الوارية
|
حيث التقى الإنسان و الله و الأموات و الأحياء في شهقة
|
في رعشة للضربة القاضية
|
الأرض أم الزهر و الماء و الأسماك و الحيوان و السنبل
|
لم تبل في إرهابها الأول
|
من خضة الميلاد ما تحملين
|
ترتج قيعان المحيطات من أعماقها ينسح فيها حنين
|
و الصخر منشد بأعصابه حتى يراها في انتظار الجنين
|
الأرض ؟ أم أنت التي تصرخين
|
في صمتك المكتظّ بالآخرين
|
في ذلك الموت المخاض المحب المبغض المنفتح المقفل
|
و نحن أم أنت التي تولدين
|
أسخى من الميلاد ما تبذلين
|
و الموت أقسى منه من كل ما عاناه أجيال من الهالكين
|
أنّ الذي من دونه الجلجلة
|
و السوط و السّجان و المقصلة
|
أن الذي يفديك أتفتدين
|
غير الذي آذاه بالنار أو بالعار و الماء الذي تشربين
|
عبء من الآجال ما أثقله
|
كم حاول الجلاد أن ينزله
|
كم ودّ أن تلقيه إذ تعجزين
|
مشبوحة الأطراف فوق الصليب
|
مشبوحة العينين عبر الظلام
|
يأتيك من وهران يا للزحام
|
حشد مشع باشتعال المغيب
|
يأتيك كل الناس كل الأنام
|
يرجون مما تبذلين الطعام
|
و الأمن و النعماء و العافية
|
و أنت مثل الدوحة العارية
|
لم يبق منك البغي إلا الجذور
|
الموت واه دونها و النشور
|
فيها و تجري دونك الساقية
|
ما شب في وهران من برعم
|
أو أزهرت في أطلس عوسجة
|
إلا ودبت في مسيل الدم
|
نمنمة منعشة مبهجة
|
توحي بأن الأرض ظلت تدور
|
طاحونة للقاتل المجرم
|
تسحق منه واهن الأعظم
|
و أن ألوان الأذى و العذاب
|
ذخر لنا نجلوه يوم الحساب
|
نسقي به الباغين نروي التراب
|
من لفحة أن الهوى و الشباب
|
لم يذهبا أن البعاد اقتراب
|
أن من الدمع الذي تسكبين
|
أسلحة في أذرع الثائرين
|
جاء زمان كان فيه البشر
|
يفدون من أبنائهم للحجر
|
يا رب عطشى نحن هات المطر
|
رو العطاشى منه روّ الشجر
|
و جاء حين عاد فيه البشر
|
يفدون بالأنعام ما تحبس السماء في أعماقها من قدر
|
و جاء عصر سار فيه الإله
|
عريان يدمى كي يروّي الحياة
|
و اليوم و لى محفل الآلهة
|
اليوم يفدي ثائر بالدماء
|
الشيب و الشبان يفدي النساء
|
يفدي زروع الحقل يفدي النماء
|
يفدي دموع الأيّم الوالهة
|
بالأمس دوى في ثرى يثرب
|
صوت قوي من فقير نبي
|
ألوى ببغي الصخر لم يضرب
|
و حطم التيجان أي انطلاق
|
في مصر في سوريّة في العراق
|
في أرضك الخضراء كان انعتاق
|
بالأمس و ارى قومك الآلهة
|
عشتار أم الخصب و الحب و الإحسان تلك الربّة الوالهة
|
لم تعط ما أعطيت لم ترو بالأمطار ما روّيت قلب الفقير
|
لم يعرف الحقد الذي يعرفون
|
و الحسد الآكل حتى العيون
|
نحن بنو الفقر الذي يزعمون
|
في كل عصر أنهم وارثوه
|
قابيل فينا ما تهاوى أخوه
|
من ضربة الحقد التي يضربون
|
يوم ابتدأنا كان عبء السماء
|
ملقى على أطلس
|
يزحمه بالمنكب الأملس
|
ثم ارتقى إيفل تم البناء
|
فانحط ذاك العبء حينا عليه
|
ثم انطلقنا نحن من جانبيه
|
حتى حملنا عبئها كل ما فيها من الأبراج و الأنجم
|
يا أختنا المشبوحة الباكية
|
أطرافك الدامية
|
يقطرن في قلبي و يبكين فيه
|
لم يلق ما تلقين أنت المسيح
|
أنت التي تفدين جرح الجريح
|
أنت التي تعطين لا قبض ريح
|
يا أختنا يا أمّ أطفالنا
|
يا سقف أعمالنا
|
يا ذروة تعلو لأبطالنا
|
ما حزّ سوط البغي في ساعديك
|
إلا و في غيبوبة الأنبياء
|
أحسست أن السوط أن الدماء
|
أنّ الدجى أن الضحايا هباء
|
من أجل طفل ضاحكته السماء
|
فرحان في أرضه
|
و بعضه فرحان من بعضه
|
أحسسته يحبو على راحتيك
|
سمعته يضحك في مسمعيك
|
يهتف يا جميلة
|
يا أختي النبيلة
|
يا أختي القتيلة
|
لك الغد الزاهي كما تشتهين
|
و أنت إذ أحسست إذ تسمعين
|
تعلو بك الآلام فوق التراب
|
فوق الذرى فوق انعقاد السحاب
|
تعلين حتى محفل الآلهة
|
كالربة الواهلة
|
كالنسمة التائهة
|
لا تسمعيها إنّ أصواتنا
|
تخزى بها الريح التي تنقل
|
باب علينا من دم مقفل
|
و نحن نحصي ثم أمواتنا
|
الله لولا أنت يا فادية
|
ما أثمرت أغصاننا العارية
|
أو زنبقت أشعارنا القافية
|
إنا هنا في هوة داجية
|
ما طاف لولا مقلتاك الشعاع
|
يوما بها نحن العراة الجياع
|
لا تسمعي ما لفقوا ما يذاع
|
ما زينوا ما خط ذاك اليراع
|
إنا هنا كوم من الأعظم
|
لم يبق فينا من مسيل الدم
|
شيء نروي منه قلب الحياة
|
إنا هنا موتى حفاة عراة
|
لا تسمعيها إن أصواتنا
|
تخزى بها الريح التي تنقل
|
باب علينا من دم مقفل
|
و نحن في ظلمائنا نسأل
|
من مات ؟ من يبكيه ؟ من يقتل ؟
|
يا نفحة من عالم الآلهة
|
هبّت على أقدامنا التائهة
|
لا تمسحيها من شواظ الدماء
|
إنا سنمضي في طريق الفناء
|
و لترفعي أوراس حتى السماء
|
حتى تروى من مسيل الدماء
|
أعراق كل الناس كل الصخور
|
حتى نمسّ الله
|
حتى نثور
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق