نفوس معذبه هائمة | تخبط في الظلمة القاتمة |
أجد لها الليل أحزانها | و تذكار أيامها الباسمة |
فسارت تفتش عن حبها | و تنشد لذاتها الدائمة |
و أسرى بها تحت جنح الظلام | زوارق في اللجة الغائمة |
إذا ما تلوث على الشاطئين | من النهر أمواجه اللاطمه |
و أرسى على مائه زورق | تؤرجحه النسمة الحالمة |
أطلت على النهر حورية | فأغوته بالنظرة الساهمة |
فأغواره و هي أوطانها | بواك على فقدها نادمة |
و أمواجه و هي أترابها | جئت تحت أقدامها لاثمه |
أحورية النهر غضي العيون | و كوني بملاحة راحمه |
تسيرين في زورق من ظلال | فتدفعه النسمة الناعمة |
و مجدافك اخترته من ضي | اء النجوم على اللجة القاتمة |
و أطربت النهر و الضفتين | أغان و قيثارة ناغمة |
لقد حق أن تسحر الكائنات | وتستل آهاتها الجاثمة |
فأوتارها شعرك العسجدي | و أنت الموقعة الباسمة |
رأى النهر مصرع ملاحه | بعينيك أيتها الظالمة |
رآك فهيأ مجدافه | و أسلم زورقه للظلام |
يثير إذا سار عزم الميا | ه فتطلق عن جانبيه السهام |
طغى الموج و ارتد يطوي الظلال | فلم يبق للعين إلا القتام |
فيا زورقا من ظلال تلاشى | بحورية ليس ترعى الذمام |
أخلفت ملاحنا وحده | و للموج في الشاطئين احتدام |
و حورية النهر ما خلفت | سوى أغنيات تثير الغرام |
يجاري اختلاجاتها زورق | و موج و قلب حواه الهيام |
و نهر تمازج أمواهه | و يحملها رغوة إذ تنام |
و نجم يعشى الدجى ضوءه | كنبع على ثغره العشب نام |
و يقتاف آثارها زورق | و ملاحه الشارد المستهام |
يطالعه طيف حورية | من الموج يختال في الابتسام |
فمن كل صوب سرى خالها | هناك و إن سار ألفى الظلام |
أوهما يرى لا فذا صوتها | ينتهي فتعيد المياه الكلام |
و لاحت له أعين مشفقات | محدقة من وراء الغمام |
تنادي به ظللتك الخطوب | و قادتك نحو الردى و الحمام |
و لكن أذنيه لم تسمعا | حديث السماوات حيث السلام |
جرى وهو ليس له غاية | سوى أن يجدف حتى الصباح |
و يقفو على الماء ضوء النجوم | و يصرع أشجانه بالنواح |
لقد حطم الليل مجدافه | و هيض الشراع بعصف الرياح |
وقد أطفأ الموج مصباحه | فصاح و لم يجد ذاك الصياح |
تبرمت يا ليل بالبائسين | فزل و اترك الصبح يأسو الجراح |
و نادى وقد مد كلتا يديه | لقد حان يا أرض عنك الرواح |
فيا شاطئا كان مأوى الغريب | إذا مل طول السرى فاسترح |
وداعا وداع الشقي الحزين | سيسر إلى الموت بعد الكفاح |
و يا زمج الماء خدن السفين | سمير الشراع الطروب الصداح |
كلانا يحن إلى تربه | فطر لي فإني مهيض الجناح |
و يا أنجم الليل يا عودي | إذا القلب في الليل بالداء طاح |
إذا ما خبا نوركن الوضيء | أسى و تألق نجم الصباح |
فحدثنه عن فتى في الدجى | طواه العباب وحب الملاح |
رأى -ويح عينيه- حورية | فجن بها ساعة ثم راح |
فقد يخبر النجم عنه الرعاة | فيبكون حزنا و تبكي البطاح |
و مات الشقي الحزين فعادت | تكفنه بالشراع الرياح
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق