ابحث عن شاعر او قصيدة اوقصة

قصيدة : فجر السلام..للشاعر بدر شاكر السياب



لا شهوة الموت في أعراق جزارتقوى عليها ولا سيل من النار
الموت أزهى سدا من أن يشابكهاوهي التي مدت الموتى بأعمار
وهي التى لمت الأحقاب واعتصرتمما انطوى في دجاها فيض أنوار
ومست الصخر فاخضلت جوانبهبالسيل الغض والريحان والنار
هذي اليد السمحة البيضاء كم مسحتجرحا وكم أزهت أنفاس جبار
وأطلقت في الدجى الأعمى حمامتهابيضاء كالمشعل الوهاج في غار
كأنما فجرت ماء لظامئةأو أطلعت كوكبا يأتمه الساري
سل تاجر الموت كيف اصطك من فزعلما رآها وكم أودت بتجار
وسمرت نعش طاغوت بما شرعتكفاه من خنجر يدمى وأظفار
أما كفاه الذي امتصت على مهلأنيابه من دم الغرثان والعاري
وما طفا عن شفاه الطفل من لبنأو حلمة المومس الشوهاء من عار
فانقض من كهفه الداجي ليبعثهاشعواء كالبحر ان دوى باعصار
حتى اذا امتار من أعمار مدداواقتات مما ستحيا عمره الهاري
أهوى على ظهر لم يقض يعصرهعن سلعة تعبر سلعة الدنيا فدولار
عيون وراء المدىتنام و ترجو الغدا
دفوق السنا باسطالأحلى رؤاها يدا
ستجبلها ولقعانقيا كذوب الندى
يكفر عما جنتعصور طواها الردى
أيفزعها المجرمونبما أشرعوا من مدى
كأن سياجا يقامليحجز عنها الغدا
و في الحقل بين الظلالعذارى حملن السلال
لهن الهوى و الغناءو للظالمين الغلال
فبعد الشقاء المريروغب الليالي الطوال
دنا موعد للحصادفغنينه للرجال
أيحسدهن الطغاةعلى منه للخيال
على ضحكة للربيعو أنشودة للتلال
و شيخ يرب الحفيدبأنباء قطر بعيد
تحدى حراب الغزاةو غيبها في الجليد
فأنبت منها سنابلضوء الصباح الوليد
هنالك يبني الحياةكما شاء جيل سعيد
عمالقة بالفعالورواد كون جديد
و آلهة يخلقونآلهة من عبيد
هنالك يرن السلامكأهداب طفل ينام
و يضحط ملء الحقولو في أغنيات الغرام
و ينبض حيث المعامليجرحن قلب الظلام
و في المدن الضاحياتيندس وسط الزحام
و حيث التقت و هي ترنوعيون الورى في وئام
برغم اللظى و الحديدنمت زهرة للسلام
و انداح من لجة الليل التي شحبتشدق يزيد اتساعا كلما اقتربا
كأن مقبرة طال الزمان بهاوازلزت فهي تبدي جوفها الخربا
تعلقت أعظم الموتى به ورنتألحظها الحور فيما يشبه الغضبا
كأنما صرت الأسنان من حنقشيئا و سخرية منها بمن نكبا
كأن كل قتيل رغم سكرتهبالصمت يسأل أما أثكلت وأبا
وزوجة و بنين استقتلوا و أخامن كان فيما لقينا من ردى سببا
شدق يزيد اتساعا كلما رفعتستر الدجى خفقت من كوكب غربا
آلى على الأرض أن يجتث عاليهاسفلا و يصفع من يأتي بمن ذهبا
و لا يريق دما إلا و أضرمهنارا و ذرى رمادا منه أو لهبا
تسعى به الريح في الآفاق ناسجةللشمس من جذوة أو من دم حجبا
فالجو مقبرة كبرى معلقةتستعرض الشمس في ذراتها الحقبا
و الأرض كالأبرص المنبوذ هرأةداء و عانى عليه الجوع و التعبا
تكدست فوقها الأجساد ناضحةقيحا ودوى عويل الناس و اصطخبا
من كل رافعة جيدا كأن يداجبارة جاذبيه الطول فانجذبا
وانمط مثل عجين الرخو مرضعهالصق الثرى و اكفهر الوجه و انقلبا
و هي التي بالأمس كانت كمارجى خيال للهوى الأول
يموج في مرآتها ظلهاسوسنة بيضاء في جدول
و كان نهداها إذا رنحتريح الصبا من ثوبها المخمل
يشف تكويراهما عن سنايطفو بطوقيها إلى المجتلى
كم عاشق كانت أمانيه أنيرتشف النور على جيدها
كان يغذيها إذا قطبتبالروح و الآمال في عيدها
يا زهرة عاشقها لم يذدمن زعزع هبت لتبديدها
لو كان يهواك ارتمي دونهاسدا و نجاك بتصعيدها
ظل لقابييل ألقى عبء ظلمتهفحما يسود البرايا حوله القلق
فحما تصدى له الباغي بمقلتهيذكيه منها لظى يخبو و يأتلق
إذا تضرم فاندك الفضاء جذىغضبى و نش الدم الفوار و العرق
وانقض من حيث تهوى الشمس غاربةليل من القاصفات السود أو شفق
جن الرضيع الذي يحبو وهب علىرجليه يعدو ويلوي جسمه اعنق
من فرط ما طال و استرخى و قد صهرتأعراقه الزرق نارا فيه تختنق
كأن كفيه مذراتا ثرى و دملا ما يمد ابن عام لفه الغسق
و لألأ البدر فاستدناه و انبسطتيمناه بالشوق حتى أظلم الأفق
و أزلزت لثة الشيخ التي هرئتمن شدقه الأدرد المغفور تندلق
تنساح كاللعنه السوداء يطلقهابعد الردى نسله المطموس و الحنق
يا ربما سرت الموتى بأن هلكواقذائف كعيون الجن تنطلق
شدت عليها يد عجفاء يدفعهاحقد ويقتات من أعصابها فرق
شلت يدا طالما التفت أصابعهاثم ارتخت عن وليد بات يختنق
و استجهضت كل أنثى و هي تعضبهاو استدفأت باللظى و المدن تحترق
و قوست من ظهور كي يطاولهاقزح يلج ارتفاعا و هي تنسحق
و تطل من أفق يفتحهالشروق إلى الحافي
أيد تشير إلى الرقابالمشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقامن عروقك لارتشاف
أيد تلوح بالسلامكأن موشكه الضحايا
تكتال منهن البقاءكأن أحضان الصبايا
أودعتها الأطفال لماينطفوا حذر المنايا
و لكم تناقلت المعابرو الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثبالغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال منخطر يهم إلى نجاء
تعوي الذئاب و ما يزاليجيش كالدم في العروق
يند العواء و يدفع المقلالغضاب عن الطريق
و يظل يطفئها كماانطفأت بقايا من حريق
و يظل يخفق بالسلامكأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطمالظلماء فانفرطت و لاحا
من شقها الألق الحبيسو ظل ينطف ثم ساحا
صور لنفسك في الخيالأباك في وسط الحريق
يدعوك بالصوت الأبحوقد تخبط كالغريق
و يمد من خلل الدخانيديه يبحث عن طريق
و انظر لأمك و هي ترقدفي التراب على قفاها
تتجاذب العقبان ثدييها و يفقا ناظراها
و تلق من دمها الكلابو ينخر الدود الشفاها
و تمل زوجك و هي تركضبين أشباح الجياع
شعثاء تلهث و الرياحتصكها دون انقطاع
حملت قميصك في ذراعو الرضيعة في ذراع
أو جثة ابنك و هي تزحفدون رأس في الدماء
أو مرضع ابنتك الممزقو هو يسحق بالحذاء
ورفات موتاك الرميموقد تناثر في الهواء
و إذا رأيت عيون جيرتك الرضية المحار
ترتج غضبى في قرارةجدول ضحل القرار
أفلا تطاردك العيونأما تبصك في احتقار
صور لنفسك في الخيالأباك في ليل الشتاء
و كأنما ردت عليه صباهأخيلة الصلاء
ما زال يقرأ و الصغاريضاحكونك في الخفاء
و انظر لأمك وهي تنصتأي عجب يزدهيها
عادت إلى الصوت الرتيبإلى الغوابر من سنيها
و تمثلته فتى يجمعساعديه و يحتويها
و ابسط لزوجك و انتشلهاو هي تلهث في الرخام
كفا ستختم إذ توقع بالمداد على السلام
فرج الجراح فتوقف الدم و الدموع عن انسجام
الشاطيء الضحاك و الأصداء و القمر الطروي
سكران يغرق في جدائلها و تهمسه الطيوب
و تضمها و يطل من خللالعيون مدى رحيب
تتنفس الأضواء فيهكأنما سمعت غناء
حلو الرنين فراقصتههناك أجنحة اراءى
بيضاء يتبعها الصغار بأعين تندى أخاء
ليل العبودية النكراء صدعهمهوى طواغيت و استبسال ثوار
حتى إذا شمر الباغي ليرأبهشقا بأن يصهر الأجساد بالنار
هبت أعاصير تذرو ما تؤججهفي وجهه الراعب النضاح اللعار
و استيقظ الشرق عملاقا تموج علىعينيه دنيا من الأحقاد و الثار
يرمي و يرمي و يسعى نحو غايتهفي لجة من دجى غضبى و أنوار
تطفو عليها الضحايا أو تغوص إلىأعماقها بين تيار و تيار
راياته الداميات الظافرات كوىحمراء ينشق عنها سجنه الضاري
ألقى بها السلم في وجه الطغاة ردىو في صعيد الضحايا حمر أزهار
و حطموا أفوق الغل الذي سحبواكي يطرقوا منه تابوتا لجبار
حيث اشرأبت على جرف الردى أممشدت إلى الصخر إلا بعض أحرار
و ابتاع بالدرهم المجبول من دمهافيض الدم الثر منها شر تجار
و استأجروها لصنع الموت منه لهابالزاد يبقى دما فيها لجزار
أعمارها مثل بئر للدم ابتلعتجيلا سواها بهن ابتاعه الشاري
و تطل من أفق يفتحهالشروق إلى الحفافي
أيد تشير إلى الرقابالمشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقامن عروقك لارتشاف
و لكم تناقلت المعابرو الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثلالغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيالمن خطر يهم إلى نجاء
ما زال يخفق بالسلامكأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطمالظلماء فانفطرت و لاحا
من شقها الألق الحبيسو ظل ينعطف ثم ساحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق